لم يجعل الله اليسر بعد العسر أو عقبه بل معه فقال: "فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا (٥) إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرً۬ا (٦)"[الشرح: 5، 6] وذلك ليؤكد على أمرين:
الأول: قرب تحقق اليسر عند العسر حتى كأنه معه ومتصل به، وفي هذا قال بعض السلف: لو دخل العسر جحرًا لتبعه اليسر.
الثاني:إن مع العسر بالفعل يسرًا، ومع المنع عطاء، ومع الفقر غنى قد يكون ظاهرًا ملموسًا، وقد يكون خفيًا مكتومًا، وهذا هو اللطف، ففي كل قدر لطف وفي كل بلاء نعمة، ومن ظن انفكاك لطف الله عنه فذلك لقصور نظره عن مشاهدة آثار قوله تعالى: "إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ۬ لِّمَا يَشَآءُ"ۚ [يوسف: 100].
إذا ضاق بك الأمر ففكّر في ألم نشرح
فعسرٌبين يسريـن لذا لا بد أن يبــــــرح
وهذه أم المؤمنينعائشة توقد فيك جذوة الأمل، إن كانت عواصف البلاء قد أخمدتها، وتمحو في نفسك آثار اليأس والقنوط عن طريق قولها: «كن لما لم ترجُ أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران خرج يقتبس نارًا فرجع بالنبوة» 1.
فإن أردت المزيد معك أتيناك بشعر الفقيه الأديب الثاري:
اشتدي أزمة تنفرجـــي قد آذن ليلك بالفرج
مهما اشتدت بك نازلة فاصبر فعسى التفريج يجي
يريد أن يقول لك: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اشتد الحبل انقطع، واعلم (أن وراء الظلام فجرًا، وخلف الغمام بدرًا، وأن ضحك الرياض في بكاء السحاب، وحياة النبات في شق التراب، وأنها الغمرات ثم ينجلين، والظلمات ثم يولين، وأن حالها لا يدوم أبدًا، وأن مع اليوم غدًا) 2.
وإليك ما حكاه أبو عمرو بن العلاء يصبِّر به كل مظلوم ويُرهب به كل ظالم فقال:
«هربنا من الحجاج فدخلنا البادية فأقمنا بها دهرًا نتردد من حي إلى حي، فبينا أنا خارج في بعض الأحياء ذات غداة متوزع الخطر مبهم القلب ضيق الصدر، إذ سمعت شيخًا من الأعراب مجتازًا يقول:
صَبِّرِ النَّفسَ ينجلى كُلّ هَمٍّ إنّ في الصبر حيلةَ المُحتالِ
ربما تكره النفوسُ من الشيء له فَرْجَةٌ كحلِّ العِقـــــــالِ
فلم يستتم الشيخ إنشاد البيتين حتى رأيت فارسًا من بعيد ينادي: قد مات الحجاج» 3.
([1]) الفرج بعد الشدة ص (52) – جلال الدين السيوطي- ط دار الشهيد.
([2]) النفحات ص (134) – د/ عبد الوهاب عزام- ط مكتبة النور.
([3]) وتتمة الخبر: قال: فسألت الشيخ عن الفَرْجة ، فقال : الفُرجة بضم الفاء: في الحائط والعود ونحوهما، والفَرْجة بفتح الفاء: في الأمر من الشدة والنوائب. قال أبو عمرو: فلم أدْرِ بأيهما كنت أشد سرورًا ، بموت الحجاج أم بهذه الفائدة. من تفسير سهل التستري لسورة الشرح.
|
اضف تعليقك