4 |
الجبار
الجبار! اجبر كلَّ كسر واكشف كلَّ كرب معنى اسم الله الجبار معاني الجبر أربعة: الأول: الإصلاح قال الطبري: «(الجبار): يعني المصلح أمور خلقه المصرفهم في ما فيه صلاحهم»[1]).. ومنها: جَبَر العَظم إذا أصلَحَ كسره، وجَبَر الفقير يعني أغناه، وجَبَر الخاسر أي عوَّضه، وجَبَر المريض أي عالجه. ولذا قالوا: مَنْ جَبَرَ اللهُ مصيبتَه رَدَّ عليه ما ضاع منه وعَوَّضَه.
(الجبار) .. متصف بكثرة جبره لحوائج الخلائق، فهو الذي .. يجبر الفقر بالغنى.. والمرض بالصحة.. والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل.. والخوف والحزن بالأمن والفرَح.. (الجبار) .. يجبر أصحاب المصائب ويعينهم على الثبات، ويعوِّضهم بالحسنات، ويكافئهم في الدنيا على صبرهم بالنعم السابغات. (الجبار) .. يجبر التوابين بالقبول، بل ويسخِّر لهم حملة العرش يدعون لهم ولوالديهم وأزواجهم وذرياتهم بالوقاية من الذنب في الدنيا، ودخول الجنة في الآخرة.
قال ابن القيم وهو يعرِّفنا بربنا (الجبار) لنزداد له حبا: «مِنْ كمال إِحْسَانِ الرَّبِّ تعالى أن يُذيق عبده مرارة الْكَسْرِ قبل حلاوة الْجَبْر، وَيُعَرِّفَهُ قدر نِعْمَته عليه بِأن يَبْتَلِيَه بِضِدِّها ، فما كسر عبده المؤمن إلا ليجبره، ولا منعه إلا ليعطيه، ولا ابتلاه إلا ليعافيه، ولا أماته إلا ليحييه، ولا نغَّص عليه الدنيا إلا ليرغبه في الآخرة، ولا ابتلاه بجفاء الناس إلا ليرده إليه»[2]).
الثاني: الإكراه والقهر ومثال ذلك قولك: أجبرته على شيء. وقال تعالى: (إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ) هو الذي يُجْبِر الناس على ما يريدون رغم أنفهم ويكرههم عليه، وقد قال الله تعالى لنبيه ^: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍá[ق: 45]، أي: لست بالذي تُجبِرهم على الهداية. فالجبار هنا بمعنى القهار الذي يقهر ولا يُقهَر، ويغلِب ولا يُغلَب، وهو يجير ولا يجار عليه، وهو الذي دان له كل شيء، وخضع له كل شيء، ولا يقع في هذا الكون تسكينة ولا تحريكة إلا بمشيئته سبحانه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يستطيع أحد مهما بلغت قوته وعظمته أن يخرج عن إرادة الله عزوجل، فإرادته فوق كل إرادة، فلا معقِّب لحكمه، ولا راد لقضائه
الثالث: الارتفاع والامتناع والعلو والشموخ.. فالنخلة الجبارة التي لا تُنال ثمارها بيد من فرط علوها، وهو بمعنى (العلي) على كل شيء، الذي له جميع أنواع العلو: علو الذات وعلو القدر وعلو القهر.
الرابع: المتكبِّر فهو المتكبِّر بربوبيته عن كل سوء ونقص، وعلى مماثلة شيء من خلقه، وعلى أن يكون له كفوا أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وصفاته.
فادعوه بها عبادة وعملا! عليك بالدعاء باسم الله الجبار (واجبرني)! في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ^ كان يدعو بين السجدتين فيقول: (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني وارزقني) [3]). وإذا قلت: اللهم اجبرني، فاقصد بهذا الجبر إصلاحك، ودفع جميع المكاره المادية والمعنوية عنك. إيمانك باسمه الجَّبار يجعلك لا تَغتَر بالأسباب، بل يجعل قلبك من الأسباب يائسًا، وبحسن الظن بالله متعلِّقا.
لماذا لَمْ يجبر الله كسري! قد يقول قائل: أنا أسأل الله باسمه الجبار أن يعطيني ولكن لا أُعْطى! أولاً: عطاء الله تعالى وجبره لكسرك موافق لحكمته، فهو يجبر كسرك بحكمته البالغة، فيعطيك ما يناسبك في الوقت الذي يناسبك. والأمر الثاني: ربما كان الذي نقص عليك، في نقصه كمالٌ لك، والحديث يشهد بذلك: «إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه؛ كما تحمون مريضكم الطعام والشراب، تخافون عليه»[4]). ويأتي هنا سؤال: هل كُلُّ جبرٍ يجب أن يكون من نفس نوع الكسر؟! والجواب: قد يكون من نفس النوع وقد لا يكون، لكن كلما قوي إيمانك كلما كان جبر الله لكسرك أسرع وأكمل، فما تشعر معها بالنقص، بل يمتلئ قلبك بالرضا، ويفتح الله لك من محبته وتوفيقه وألوان معارفه ما ينسيك كل كسر، ويشغلك عن كل مُرٍّ.
لا تنازع الله جبروته ولا كبرياءه! في الحديث: «قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار»[5]). وفي الحديث: (قال الله تعالى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِي رِدَائِي قَصَمْتُهُ) [6]). أي أذللته وأهنته أو قرَّبْت هلاكه. والكبرياء هو الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه إلا الله سبحانه، لأن كبرياء ألوهيته هو في استغنائه عما سواه، وأما كل عبد، فلا يستغني لحظةً عن بِرِّ مولاه. وأما العظمة فهو أن يستعظمه غيره، وذلك إذا كثر ما تعلَّق به من الخدم والحشم، وإذا كان الأمر كذلك كانت صفة (الكبرياء) ذاتية، وصفة (العظمة) إضافية، والذاتي أعلى من الإضافي.
اعتزَّ بالله يا من ألوذ به فيما أؤمله.. ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره.. ولا يهيضون عظما أنت جابره
توكل على الله واحتمِ به فيعلم أنه يركن إلى ركن شديد، وأنه يلجأ إلى ربٍّ نواصي الخلق بيده، وأنه لو اجتمعت عليه الأمة على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فلا يخاف من الخلق طغوا، فإن الذي عظَّمهم في قلبه إنما هو الشيطان: (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ). وكلما كان العبد أكثر افتقارا إلى ربه كلما كان أكثر عبودية له، وكلما كان القلب ملتفتا إلى الخلق كلما نَحَت ذلك من عبوديته.
محبة الجبار! جُبِلتْ القلوب على حب من أحسن إليها ، فكيف وأنت ليس محسنٌ إليك على الحقيقة إلا الله، فهو الذي يصلح لك شأنك كله. قال ابن القيِّم: «من تدبَّر حكمته سبحانه ولطفه وبره بعباده وَأهل طَاعَته فِي كَسره لَهُم ثمَّ جبره بعد الانكسار؛ كَمَا يكسر العَبْد بالذنب، ويذله بِهِ، ثمَّ يجْبرهُ بتوبته عَلَيْهِ ومغفرته لَهُ. وكما يكسرهُ بأنواع المصائب والمحن ثمَّ يجْبرهُ بالعافية وَالنعْمَة؛ انْفَتح لَهُ بَاب عَظِيم من أَبْوَاب مَعْرفَته ومحبته، وَعلم أنه أرْحَمْ بعباده من الوالدة بِوَلَدِهَا، وأن ذَلِك الْكسر هُوَ نفس رَحمته بِهِ وبره ولطفه، وهو أعلم بمصلحة عَبده مِنْهُ، ولكن العَبْد لضعف بصيرته ومعرفته بأسماء ربه وَصِفَاته لَا يكَاد يشْعر بذلك، ولا ينال رضَا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدنو مِنْهُ والزلفى لَدَيْهِ الاعلى جسر من الذلة والمسكنة، وعلى هذا قام أمْر المحبة، فلا سَبِيل إلى الوصول إلى المحبوب إلا بذلك»([7]).
فادعوه بها مسألة وطلَبا! «اللهم اغفِر لِي وَارحَمْنِي وَاجْبرني واهْدِنِي وارزُقني».
«سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة».
«اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي، اللهم أنعشني، واجبرني، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيئها إلا أنت».
اللَّهُمَّ اجبر كسرنا واكشف ضرنا يَا كريم يَا رَحِيم
حاسِبْ نفسك تعرِف ربَّك هل تدعو الله بالجبر كلما انكسرت؟! هل تثق في قدرة الله أن يقصم الظالم مهما علا وتجبَّر؟! هل ترضى بجبر الله لكسرك وإن لم يكن من جنس ما تدعو به؟! هل تتجبَّر أو تتكبَّر على أحد من خلق الله؟
([1]) تفسير الطبري 28/36 ([2]) مختصر الصواعق المرسلة 1/306 ([3]) صحيح: رواه أبوداود وابن ماجة والترمذي كما في تخريج الكلم الطيب عن ابن عباس رقم: 98 ([4]) صحيح: رواه أحمد عن محمود بن لبيد كما في صحيح الجامع رقم: 1814 ([5]) صحيح: رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة وابن ماجة عن ابن عباس في صحيح الجامع رقم: 4311 ([6]) صحيح: رواه الحاكم عن أبي هريرة كما في صحيح الجامع رقم: 4309 ([7]) مفتاح دار السعادة 1/24- ابن قيم الجوزية- دار الكتب العلمية
|